سورة العنكبوت - تفسير تفسير الشوكاني

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (العنكبوت)


        


قد تقدّم الكلام على فاتحة هذه السورة مستوفى في سورة البقرة والاستفهام في قوله: {أَحَسِبَ الناس} للتقريع، والتوبيخ و{أَن يُتْرَكُواْ} في موضع نصب بحسب، وهي وما دخلت عليه قائمة مقام المفعولين على قول سيبويه، والجمهور، و{أَن يَقُولُواْ} في موضع نصب على تقدير: لأن يقولوا، أو بأن يقولوا، أو على أن يقولوا وقيل: هو بدل من أن يتركوا، ومعنى الآية: أن الناس لا يتركون بغير اختبار ولا ابتلاء {أَن يَقُولُواْ آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ} أي وهم لا يبتلون في أموالهم، وأنفسهم، وليس الأمر كما حسبوا، بل لابد أن يختبرهم حتى يتبين المخلص من المنافق، والصادق من الكاذب، فالآية مسوقة لإنكار ذلك الحسبان، واستبعاده، وبيان أنه لا بد من الامتحان بأنواع التكاليف وغيرها. قال الزجاج: المعنى: أحسبوا أن نقنع منهم بأن يقولوا: إنا مؤمنون فقط، ولا يمتحنون بما تتبين به حقيقة إيمانهم؟ وهو قوله: {أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ ءَامَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ}. قال السدّي وقتادة ومجاهد: أي لا يبتلون في أموالهم وأنفسهم بالقتل والتعذيب، وسيأتي في بيان سبب نزول هذه الآيات ما يوضح معنى ما ذكرناه، وظاهرها شمول كلّ الناس من أهل الإيمان، وإن كان السبب خاصاً فالاعتبار بعموم اللفظ كما قررناه غير مرّة. قال ابن عطية: وهذه الآية وإن كانت نازلة في سبب خاص، فهي باقية في أمة محمد صلى الله عليه وسلم موجود حكمها بقية الدهر، وذلك أن الفتنة من الله باقية في ثغور المسلمين بالأسر، ونكاية العدوّ وغير ذلك.
{وَلَقَدْ فَتَنَّا الذين مِن قَبْلِهِمْ} أي هذه سنة الله في عباده، وأنه يختبر مؤمني هذه الأمة كما اختبر من قبلهم من الأمم كما جاء به القرآن في غير موضع من قصص الأنبياء وما وقع مع قومهم من المحن وما اختبر الله به أتباعهم، ومن آمن بهم من تلك الأمور التي نزلت بهم {فَلَيَعْلَمَنَّ الله الذين صَدَقُواْ} في قولهم: آمنا {وَلَيَعْلَمَنَّ الكاذبين} منهم في ذلك، قرأ الجمهور: {فليعلمنّ} بفتح الياء، واللام في الموضعين، أي ليظهرنّ الله الصادق والكاذب في قولهم ويميز بينهم، وقرأ عليّ بن أبي طالب في الموضعين بضم الياء وكسر اللام. والمعنى: أي يعلم الطائفتين في الآخرة بمنازلهم، أو يعلم الناس بصدق من صدق، ويفضح الكاذبين بكذبهم، أو يضع لكلّ طائفة علامة تشتهر بها وتتميز عن غيرها.
{أَمْ حَسِبَ الذين يَعْمَلُونَ السيئات أَن يَسْبِقُونَا} أي يفوتونا، ويعجزونا قبل أن نؤاخذهم بما يعملون، وهو سادّ مسدّ مفعولي حسب، وأم هي المنقطعة {سَاء مَا يَحْكُمُونَ} أي بئس الذي يحكمونه حكمهم ذلك: وقال الزجاج: {ما} في موضع نصب بمعنى: ساء شيئاً أو حكماً يحكمون.
قال: ويجوز: أن تكون {ما} في موضع رفع بمعنى: ساء الشيء، أو الحكم حكمهم، وجعلها ابن كيسان مصدرية، أي ساء حكمهم {مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء الله} أي من كان يطمع، والرجاء بمعنى: الطمع. قاله سعيد بن جبير. وقيل: الرجاء هنا بمعنى: الخوف. قال القرطبي: أجمع أهل التفسير على أن المعنى: من كان يخاف الموت، ومنه قول الهذلي:
إذا لسعته الدبر لم يرج لسعها ***
قال الزجاج: معنى من كان يرجو لقاء الله: من كان يرجو ثواب لقاء الله، أي: ثواب المصير إليه، فالرجاء على هذا معناه: الأمل {فَإِنَّ أَجَلَ الله لآتٍ} أي: الأجل المضروب للبعث آت لا محالة. قال مقاتل: يعني يوم القيامة، والمعنى: فليعمل لذلك اليوم كما في قوله: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صالحا} [الكهف: 110] و{من} في الآية التي هنا يجوز أن تكون شرطية. والجزاء {فإن أجل الله لآت}، ويجوز: أن تكون موصولة، ودخلت الفاء في جوابها تشبيهاً لها بالشرطية. وفي الآية من الوعد والوعيد والترهيب والترغيب ما لا يخفى {وَهُوَ السميع} لأقوال عباده {العليم} بما يسرّونه وما يعلنونه.
{وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يجاهد لِنَفْسِهِ} أي من جاهد الكفار وجاهد نفسه بالصبر على الطاعات فإنما يجاهد لنفسه، أي ثواب ذلك له لا لغيره، ولا يرجع إلى الله سبحانه من نفع ذلك شيء {إِنَّ الله لَغَنِيٌّ عَنِ العالمين} فلا يحتاج إلى طاعاتهم كما لا تضرّه معاصيهم. وقيل: المعنى: ومن جاهد عدوّه لنفسه لا يريد بذلك وجه الله، فليس لله حاجة بجهاده، والأوّل أولى {والذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَنُكَفّرَنَّ عَنْهُمْ سَيّئَاتِهِمْ} أي: لنغطينها عنهم بالمغفرة بسبب ما عملوا من الصالحات {وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الذي كَانُواْ يَعْمَلُونَ} أي بأحسن جزاء أعمالهم. وقيل: بجزاء أحسن أعمالهم، والمراد بأحسن: مجرّد الوصف لا التفضيل لئلا يكون جزاؤهم بالحسن مسكوتاً عنه. وقيل: يعطيهم أكثر مما عملوا وأحسن منه كما في قوله: {مَن جَاء بالحسنة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام: 160] {وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حُسْناً} انتصاب {حسناً} على أنه نعت مصدر محذوف، أي إيصاء حسناً على المبالغة، أو على حذف المضاف، أي ذا حسن. هذا مذهب البصريين، وقال الكوفيون: تقديره: ووصينا الإنسان أن يفعل حسناً، فهو مفعول لفعل مقدّر، ومنه قول الشاعر:
عجبت من دهماء إذ تشكونا *** ومن أبى دهماء إذ يوصينا *** خيراً بها كأنما خافونا
أي يوصينا أن نفعل بها خيراً، ومثله قول الحطيئة:
وصيت من برّة قلباً حرًّا *** بالكلب خيراً والحمأة شرًّا
قال الزجاج: معناه: ووصينا الإنسان: أن يفعل بوالديه ما يحسن وقيل: هو صفة لموصوف محذوف، أي ووصيناه أمراً ذا حسن، وقيل: هو منتصب على أنه مفعول به على التضمين، أي ألزمناه حسناً.
وقيل: منصوب بنزع الخافض، أي ووصيناه بحسن. وقيل: هو مصدر لفعل محذوف، أي يحسن حسناً، ومعنى الآية: التوصية للإنسان بوالديه بالبرّ بهما، والعطف عليهما. قرأ الجمهور: {حَسَنًا} بضم الحاء، وإسكان السين، وقرأ أبو رجاء وأبو العالية والضحاك بفتحهما، وقرأ الجحدري: {إحسانا} وكذا في مصحف أبيّ {وَإِن جاهداك لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا} أي طلباً منك وألزماك أن تشرك بي إلها ليس لك به علم بكونه إلها، فلا تطعهما، فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وعبر بنفي العلم عن نفي الإله؛ لأن ما لا يعلم صحته لا يجوز اتباعه، فكيف بما علم بطلانه؟ وإذا لم تجز طاعة الأبوين في هذا المطلب مع المجاهدة منهما له، فعدم جوازها مع مجرّد الطلب بدون مجاهدة منهما أولى، ويلحق بطلب الشرك منهما سائر معاصي الله سبحانه، فلا طاعة لهما فيما هو معصية لله كما صحّ ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم {إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} أي أخبركم بصالح أعمالكم وطالحها، فأجازي كلاً منكم بما يستحقه، والموصول في قوله: {والذين ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات} في محل رفع على الابتداء وخبره {لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصالحين} أي في زمرة الراسخين في الصلاح، ويجوز أن يكون في محل نصب على الاشتغال، ويجوز أن يكون المعنى: لندخلنهم في مدخل الصالحين، وهو الجنة كذا قيل، والأوّل أولى.
{وَمِنَ الناس مَن يِقُولُ ءَامَنَّا بالله فَإِذَا أُوذِيَ فِي الله} أي في شأن الله ولأجله كما يفعله أهل الكفر مع أهل الإيمان، وكما يفعله أهل المعاصي مع أهل الطاعات من إيقاع الأذى عليهم لأجل الإيمان بالله والعمل بما أمر به {جَعَلَ فِتْنَةَ الناس} التي هي ما يوقعونه عليه من الأذى {كَعَذَابِ الله} أي جزع من أذاهم. فلم يصبر عليه، وجعله في الشدّة والعظم كعذاب الله، فأطاع الناس كما يطيع الله. وقيل: هو المنافق إذا أُوذي في الله رجع عن الدين فكفر. قال الزجاج: ينبغي للمؤمن أن يصبر على الأذية في الله {وَلَئِنْ جَاء نَصْرٌ مّن رَّبّكَ} أي نصر من الله للمؤمنين وفتح وغلبة للأعداء وغنيمة يغنمونها منهم {لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ} أي داخلون معكم في دينكم، ومعاونون لكم على عدوّكم، فكذبهم الله وقال: {أَوَ لَيْسَ الله بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ العالمين} أي هو سبحانه أعلم بما في صدورهم منهم من خير وشرّ، فكيف يدّعون هذه الدعوى الكاذبة؟ وهؤلاء هم قوم ممن كان في إيمانهم ضعف، كانوا إذا مسهم الأذى من الكفار وافقوهم. وإذا ظهرت قوّة الإسلام ونصر الله المؤمنين في موطن من المواطن: {إِنَّا كُنَّا مَّعَكُمْ} وقيل: المراد بهذا وما قبله المنافقون.
قال مجاهد: نزلت في ناس كانوا يؤمنون بالله بألسنتهم. فإذا أصابهم بلاء من الله أو مصيبة افتتنوا.
وقال الضحاك: نزلت في ناس من المنافقين بمكة كانوا يؤمنون. فإذا أوذوا رجعوا إلى الشرك، والظاهر أن هذا النظم من قوله: {وَمِنَ الناس مَن يَقُولُ} إلى قوله: {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ} نازل في المنافقين لما يظهر من السياق، ولقوله: {وَلَيَعْلَمَنَّ الله الذين آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ المنافقين} فإنها لتقرير ما قبلها وتأكيده، أي ليميزنّ الله بين الطائفتين ويظهر إخلاص المخلصين ونفاق المنافقين، فالمخلص الذي لا يتزلزل بما يصيبه من الأذى ويصبر في الله حق الصبر، ولا يجعل فتنة الناس كعذاب الله. والمنافق الذي يميل هكذا وهكذا، فإن أصابه أذى من الكافرين وافقهم وتابعهم وكفر بالله عزّ وجلّ، وإن خفقت ريح الإسلام وطلع نصره ولاح فتحه رجع إلى الإسلام، وزعم أنه من المسلمين.
{وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ اتبعوا سَبِيلَنَا} اللام في {للذين آمنوا} هي لام التبليغ، أي قالوا مخاطبين لهم كما سبق بيانه في غير موضع، أي قالوا لهم اسلكوا طريقتنا، وادخلوا في ديننا {وَلْنَحْمِلْ خطاياكم} أي إن كان اتباع سبيلنا خطيئة تؤاخذون بها عند البعث، والنشور كما تقولون، فلنحمل ذلك عنكم؛ فنؤاخذ به دونكم. واللام في {لنحمل} لام الأمر كأنهم أمروا أنفسهم بذلك.
وقال الفراء والزجاج: هو أمر في تأويل الشرط والجزاء، أي إن تتبعوا سبيلنا نحمل خطاياكم، ثم ردّ الله عليهم بقوله: {وَمَا هُمْ بحاملين مِنْ خطاياهم مّن شَيْء} من الأولى بيانية. والثانية مزيدة للاستغراق، أي وما هم بحاملين شيئاً من خطيئاتهم التي التزموا بها، وضمنوا لهم حملها، ثم وصفهم الله سبحانه بالكذب في هذا التحمل فقال: {إِنَّهُمْ لكاذبون} فيما ضمنوا به من حمل خطاياهم. قال المهدوي: هذا التكذيب لهم من الله عزّ وجلّ حمل على المعنى؛ لأن المعنى: إن اتبعتم سبيلنا حملنا خطاياكم، فلما كان الأمر يرجع في المعنى إلى الخبر أوقع عليه التكذيب كما يوقع على الخبر.
{وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ} أي أوزارهم التي عملوها، والتعبير عنها بالأثقال للإيذان بأنها ذنوب عظيمة {وَأَثْقَالاً مَّعَ أَثْقَالِهِمْ} أي أوزاراً مع أوزارهم. وهي: أوزار من أضلوهم، وأخرجوهم عن الهدى إلى الضلالة، ومثله قوله سبحانه: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القيامة وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} [النحل: 25] ومثله قوله صلى الله عليه وسلم: «من سنّ سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها» كما في حديث أبي هريرة الثابت في صحيح مسلم وغيره {وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ القيامة} تقريعاً وتوبيخاً {عَمَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} أي يختلقونه من الأكاذيب التي كانوا يأتون بها في الدنيا.
وقال مقاتل: يعني قولهم: نحن الكفلاء بكل تبعة تصيبكم من الله.
وقد أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله: {الم أَحَسِبَ الناس أَن يُتْرَكُواْ} الآية قال: أنزلت في ناس كانوا بمكة قد أقرّوا بالإسلام، فكتب إليهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة لما أنزلت آية الهجرة أنه لا يقبل منكم إقرار ولا إسلام حتى تهاجروا، قال: فخرجوا عامدين إلى المدينة فاتبعهم المشركون فردّوهم، فنزلت فيهم هذه الآية، فكتبوا إليهم: أنه قد أنزل فيكم كذا وكذا، فقالوا: نخرج فإن اتبعنا أحد قتلناه، فخرجوا فاتبعهم المشركون فقاتلوهم، فمنهم من قتل ومنهم من نجا، فأنزل الله فيهم: {ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجروا مِن بَعْدِ مَا فُتِنُواْ ثُمَّ جاهدوا وَصَبَرُواْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النحل: 110].
وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة نحوه بأخصر منه.
وأخرج ابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن عساكر عن عبد الله بن عبيد الله بن عمير قال: نزلت في عمار بن ياسر إذ كان يعذب في الله: {الم أَحَسِبَ الناس أَن يُتْرَكُواْ} الآية.
وأخرج ابن ماجه وابن مردويه عن ابن مسعود قال: أوّل من أظهر الله إسلامه سبعة: رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر. وسمية أم عمار، وعمار، وصهيب، وبلال، والمقداد. فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه أبي طالب، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون فألبسوهم أدرع الحديد وصهروهم في الشمس، فما منهم من أحد إلاّ وقد أتاهم على ما أرادوا إلاّ بلال، فإنه هانت عليه نفسه في الله وهان على قومه، فأخذوه فأعطوه الولدان فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة، وهو يقول: أحد أحد.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {أَن يَسْبِقُونَا} قال: أن يعجزونا.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص قال: قالت أمي لا آكل طعاماً ولا أشرب شراباً حتى تكفر بمحمد، فامتنعت من الطعام والشراب حتى جعلوا يشجرون فاها بالعصا، فنزلت هذه الآية: {وَوَصَّيْنَا الإنسان بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِن جاهداك لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلاَ تُطِعْهُمَا} وأخرجه أيضاً الترمذي من حديثه، وقال: نزلت فيّ أربع آيات، وذكر نحو هذه القصة، وقال: حسن صحيح.
وقد أخرج هذا الحديث أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي أيضاً.
وأخرج أحمد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد، والترمذي وصححه، وابن ماجه وأبو يعلى، وابن حبان وأبو نعيم والبيهقي والضياء عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، ولقد أخفت في الله، وما يخاف أحد، ولقد أتت عليّ ثالثة ومالي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلاّ ما وارى إبط بلال».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {جَعَلَ فِتْنَةَ الناس كَعَذَابِ الله} قال: يرتدّ عن دين الله إذا أوذي في الله.


أجمل سبحانه قصة نوح تصديقاً لقوله في أوّل السورة: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الذين مِن قَبْلِهِمْ} فيه تثبيت للنبي صلى الله عليه وسلم، كأنه قيل له: إن نوحاً لبث ألف سنة إلاّ خمسين عاماً يدعو قومه، ولم يؤمن منهم إلاّ قليل، فأنت أولى بالصبر لقلة مدة لبثك وكثرة عدد أمتك. قيل: ووقع في النظم إلاّ خمسين عاماً ولم يقل: تسعمائة سنة وخمسين؛ لأن في الاستثناء تحقيق العدد بخلاف الثاني، فقد يطلق على ما يقرب منه.
وقد اختلف في مقدار عمر نوح. وسيأتي آخر البحث. وليس في الآية إلاّ أنه لبث فيهم هذه المدة، وهي لا تدل على أنها جميع عمره. فقد تلبث في غيرهم قبل اللبث فيهم، وقد تلبث في الأرض بعد هلاكهم بالطوفان، والفاء في {فَأَخَذَهُمُ الطوفان} للتعقيب، أي أخذهم عقب تمام المدة المذكورة، والطوفان يقال لكل شيء كثير مطيف بجمع محيط بهم من مطر أو قتل: أو موت قاله النحاس.
وقال سعيد بن جبير وقتادة والسدي: هو المطر، وقال الضحاك: الغرق، وقيل: الموت، ومنه قول الشاعر:
أفناهم طوفان موت جارف ***
وجملة {وَهُمْ ظالمون} في محل نصب على الحال، أي مستمرون على الظلم، ولم ينجع فيهم ما وعظهم به نوح، وذكرهم هذه المدّة بطولها {فأنجيناه وأصحاب السفينة} أي أنجينا نوحاً، وأنجينا من معه في السفينة من أولاده وأتباعه. واختلف في عددهم على أقوال: {وجعلناها} أي السفينة {آيَةً للعالمين إِنَّ} أي عبرة عظيمة لهم، وفي كونها آية وجوه: أحدها: أنها كانت باقية على الجوديّ مدة مديدة. وثانيها: أن الله سلم السفينة من الرياح المزعجة. وثالثها: أن الماء غيض قبل نفاذ الزاد. وهذا غير مناسب لوصف السفينة بأن الله جعلها آية. وقيل: إن الضمير راجع في {جعلناها} إلى الواقعة أو إلى النجاة، أو إلى العقوبة بالغرق.
{وإبراهيم إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} انتصاب {إبراهيم} بالعطف على {نوحاً} وقال النسائي: هو معطوف على الهاء في {جعلناها} وقيل: منصوب بمقدّر، أي واذكر إبراهيم. و{إذ قال} منصوب على الظرفية، أي وأرسلنا إبراهيم وقت قوله لقومه اعبدوا الله، أو جعلنا إبراهيم آية وقت قوله هذا، أو واذكر إبراهيم وقت قوله، على أن الظرف بدل اشتمال من إبراهيم {اعبدوا الله واتقوه} أي أفردوه بالعبادة وخصوه بها واتقوه أن تشركوا به شيئاً {ذلكم خَيْرٌ لَّكُمْ} أي عبادة الله وتقواه خير لكم من الشرك، ولا خير في الشرك أبداً، ولكنه خاطبهم باعتبار اعتقادهم {إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} شيئاً من العلم، أو تعلمون علماً تميزون به بين ما هو خير، وما هو شرّ. قرأ الجمهور: {وإبراهيم} بالنصب.
ووجهه ما قدّمنا. وقرأ النخعي وأبو جعفر وأبو حنيفة بالرفع على الابتداء والخبر مقدّر، أي ومن المرسلين إبراهيم.
{إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله أوثانا} بيّن لهم إبراهيم أنهم يعبدون ما لا ينفع ولا يضرّ ولا يسمع ولا يبصر، والأوثان هي: الأصنام.
وقال أبو عبيدة: الصنم ما يتخذ من ذهب أو فضة أو نحاس، والوثن ما يتخذ من جصّ أو حجارة.
وقال الجوهري: الوثن الصنم والجمع أوثان {وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً} أي وتكذبون كذباً على أن معنى {تخلقون}: تكذبون، ويجوز أن يكون معناه: تعملون وتنحتون، أي تعملونها، وتنحتونها للإفك. قال الحسن: معنى تخلقون: تنحتون أي إنما تعبدون أوثاناً، وأنتم تصنعونها. قرأ الجمهور: {تخلقون} بفتح الفوقية وسكون الخاء وضم اللام مضارع خلق وإفكاً بكسر الهمزة وسكون الفاء. وقرأ عليّ بن أبي طالب وزيد بن عليّ والسلمي وقتادة بفتح الخاء واللام مشدّدة، والأصل تتخلقون.
وروي عن زيد بن عليّ أنه قرأ بضم التاء وتشديد اللام مكسورة. وقرأ ابن الزبير وفضيل بن ورقان: {أَفكا} بفتح الهمزة وكسر الفاء وهو مصدر كالكذب، أو صفة لمصدر محذوف، أي خلقا أفكا {إِنَّ الذين تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله لاَ يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً} أي لا يقدرون على أن يرزقوكم شيئاً من الرزق {فابتغوا عِندَ الله الرزق} أي اصرفوا رغبتكم في أرزاقكم إلى الله فهو الذي عنده الرزق كله، فاسألوه من فضله ووحدوه دون غيره {واشكروا لَهُ} أي على نعمائه، فإن الشكر موجب لبقائها وسبب للمزيد عليها، يقال: شكرته وشكرت له {إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} بالموت ثم بالبعث لا إلى غيره.
{وَإِن تُكَذّبُواْ فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مّن قَبْلِكُمْ} قيل: هذا من قول إبراهيم، أي وإن تكذبوني فقد وقع ذلك لغيري ممن قبلكم، وقيل: هو من قول الله سبحانه، أي وإن تكذبوا محمداً، فذلك عادة الكفار مع من سلف {وَمَا عَلَى الرسول إِلاَّ البلاغ المبين} لقومه الذي أرسل إليهم، وليس عليه هدايتهم، وليس ذلك في وسعه {أَوَلَمْ يَرَوْاْ كَيْفَ يُبْدِيء الله الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ} قرأ الجمهور: {أولم يروا} بالتحتية على الخبر، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم. قال أبو عبيد: كأنه قال: أولم ير الأمم. وقرأ أبو بكر والأعمش وابن وثاب وحمزة والكسائي بالفوقية على الخطاب من إبراهيم لقومه. وقيل: هو خطاب من الله لقريش. قرأ الجمهور: {كيف يبدئ} بضم التحتية من أبدأ يبدئ. وقرأ الزبيري وعيسى بن عمر وأبو عمرو بفتحها من بدأ يبدأ. وقرأ الزهري {كيف بدأ} والمعنى: ألم يروا كيف يخلقهم الله ابتداء نطفة، ثم علقة، ثم مضغة، ثم ينفخ فيه الروح، ثم يخرجه إلى الدنيا، ثم يتوفاه بعد ذلك وكذلك سائر الحيوانات وسائر النباتات، فإذا رأيتم قدرة الله سبحانه على الابتداء والإيجاد فهو القادر على الإعادة، والهمزة لإنكار عدم رؤيتهم، والواو للعطف على مقدّر {إِنَّ ذلك عَلَى الله يَسِيرٌ} لأنه إذا أراد أمراً قال له: كن فيكون.
ثم أمر سبحانه إبراهيم أن يأمر قومه بالمسير في الأرض ليتفكروا ويعتبروا، فقال: {قُلْ سِيرُواْ فِي الارض فانظروا كَيْفَ بَدَأَ الخلق} على كثرتهم واختلاف ألوانهم وطبائعهم وألسنتهم وانظروا إلى مساكن القرون الماضية والأمم الخالية وآثارهم؛ لتعلموا بذلك كمال قدرة الله. وقيل: إن المعنى: قل لهم يا محمد سيروا، ومعنى قوله: {ثُمَّ الله يُنشِئ النشأة الآخرة} أن الله الذي بدأ النشأة الأولى، وخلقها على تلك الكيفية ينشئها نشأة ثانية عند البعث، والجملة عطف على جملة: {سيروا في الأرض} داخلة معها في حيز القول، وجملة: {إِنَّ الله على كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ} تعليل لما قبلها. قرأ الجمهور: ب {النشأة} بالقصر، وسكون الشين. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالمدّ وفتح الشين، وهما لغتان كالرأفة والرآفة. وهي منتصبة على المصدرية بحذف الزوائد، والأصل الإنشاءة {يُعَذّبُ مَن يَشَاء وَيَرْحَمُ مَن يَشَاء} أي هو سبحانه بعد النشأة الآخرة يعذب من يشاء تعذيبه وهم الكفار والعصاة ويرحم من يشاء رحمته، وهم المؤمنون به المصدّقون لرسله العاملون بأوامره ونواهيه {وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ} أي ترجعون وتردّون لا إلى غيره {وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الأرض وَلاَ فِي السماء} قال الفراء: ولا من في السماء بمعجزين الله فيها. قال: وهو كما في قول حسان:
فمن يهجو رسول الله منكم *** ويمدحه وينصره سواء
أي ومن يمدحه، وينصره سواء. ومثله قوله تعالى: {وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ} [الصافات: 164] أي: إلاّ من له مقام معلوم. والمعنى: أنه لا يعجزه سبحانه أهل الأرض ولا أهل السماء في السماء إن عصوه.
وقال قطرب: إن معنى الآية: ولا في السماء لو كنتم فيها، كما تقول: لا يفوتني فلان ها هنا، ولا بالبصرة، يعني: ولا بالبصرة لو صار إليها.
وقال المبرد: المعنى: ولا من في السماء. على أن {من} ليست موصولة بل نكرة، وفي السماء صفة لها، فأقيمت الصفة مقام الموصوف، وردّ ذلك عليّ بن سليمان وقال: لا يجوز، ورجح ما قاله قطرب {وَمَا لَكُم مّن دُونِ الله مِن وَلِيّ وَلاَ نَصِيرٍ} {من} مزيدة للتأكيد، أي ليس لكم وليّ يواليكم ولا نصير ينصركم ويدفع عنكم عذاب الله {والذين كَفَرُواْ بئايات الله وَلِقَائِهِ} المراد بالآيات الآيات التنزيلية أو التكوينية أو جميعهما. وكفروا بلقاء الله، أي أنكروا البعث وما بعده ولم يعملوا بما أخبرتهم به رسل الله سبحانه. والإشارة بقوله: {أولئك} إلى الكافرين بالآيات، واللقاء، وهو مبتدأ وخبره: {يَئِسُواْ مِن رَّحْمَتِي} أي إنهم في الدنيا آيسون من رحمة الله لم ينجع فيهم ما نزل من كتب الله، ولا ما أخبرتهم به رسله.
وقيل: المعنى: أنهم ييأسون يوم القيامة من رحمة الله، وهي: الجنة. والمعنى: أنهم أويسوا من الرحمة {وأولئك لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} كرّر سبحانه الإشارة للتأكيد، ووصف العذاب بكونه أليماً للدلالة على أنه في غاية الشدّة.
{فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ اقتلوه أَوْ حَرّقُوهُ} هذا رجوع إلى خطاب إبراهيم بعد الاعتراض بما تقدّم من خطاب محمد صلى الله عليه وسلم على قول من قال: إن قوله: {قل سيروا في الأرض} خطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم. وأما على قول من قال: إنه خطاب لإبراهيم عليه السلام، فالكلام في سياقه سابقاً ولاحقاً، أي قال بعضهم لبعض عند المشاورة بينهم: افعلوا بإبراهيم أحد الأمرين المذكورين، ثم اتفقوا على تحريقه {فَأَنْجَاهُ الله مِنَ النار} وجعلها عليه برداً وسلاماً {إِنَّ فِي ذَلِكَ} أي في إنجاء الله لإبراهيم {لآيَاتٍ} بيّنة، أي دلالات واضحة وعلامات ظاهرة على عظيم قدرة الله وبديع صنعه، حيث أضرموا تلك النار العظيمة وألقوه فيها، ولم تحرقه ولا أثرت فيه أثراً، بل صارت إلى حالة مخالفة لما هو شأن عنصرها من الحرارة والإحراق، وإنما خصّ المؤمنون؛ لأنهم الذين يعتبرون بآيات الله سبحانه، وأما من عداهم، فهم عن ذلك غافلون. قرأ الجمهور: بنصب {جواب قومه} على أنه خبر كان وما بعده اسمها. وقرأ سالم الأفطس وعمرو بن دينار والحسن برفعه على أنه اسم كان وما بعده في محل نصب على الخبر.
{وَقَالَ إِنَّمَا اتخذتم مّن دُونِ الله أوثانا مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الحياة الدنيا} أي قال إبراهيم لقومه، أي للتوادد بينكم، والتواصل لاجتماعكم على عبادتها، وللخشية من ذهاب المودّة فيما بينكم إن تركتم عبادتها. قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي: {مودّة بينكم} برفع مودّة غير منوّنة، وإضافتها إلى بينكم. وقرأ الأعمش وابن وثاب {مودّة} برفعها منوّنة. وقرأ نافع وابن عامر وأبو بكر بنصب {مَّوَدَّةَ} منوّنة ونصب بينكم على الظرفية. وقرأ حمزة وحفص بنصب {مودّة} مضافة إلى بينكم. فأما قراءة الرفع فذكر الزجاج لها وجهين: الأوّل: أنها ارتفعت على خبر إنّ في {إنما اتخذتم} وجعل ما موصولة. والتقدير: إن الذي اتخذتموه من دون الله أوثاناً مودّة بينكم. والوجه الثاني: أن تكون على إضمار مبتدأ، أي هي مودّة، أو تلك مودّة. والمعنى: أن المودّة هي التي جمعتكم على عبادة الأوثان، واتخاذها. قيل: ويجوز أن تكون مودّة مرتفعة بالابتداء، وخبرها في الحياة الدنيا. ومن قرأ برفع مودّة منوّنة فتوجيهه كالقراءة الأولى، ونصب بينكم على الظرفية. ومن قرأ بنصب مودّة، ولم ينوّنها جعلها مفعول اتخذتم، وجعل إنما حرفاً واحداً للحصر، وهكذا من نصبها ونوّنها. ويجوز أن يكون النصب في هاتين القراءتين على أن المودّة علة فهي مفعول لأجله، وعلى قراءة الرفع يكون مفعول اتخذتم الثاني محذوفاً، أي أوثاناً آلهة، وعلى تقدير أن ما في قوله: {إنما اتخذتم} موصولة يكون المفعول الأوّل ضميرها؛ أي اتخذتموه، والمفعول الثاني أوثاناً {ثُمَّ يَوْمَ القيامة يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ} أي يكفر بعض هؤلاء المتخذين للأوثان العابدين لها بالبعض الآخر منهم، فيتبرأ القادة من الأتباع والأتباع من القادة، وقيل: المعنى: يتبرأ العابدون للأوثان من الأوثان، وتتبرأ الأوثان من العابدين لها {وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً} أي يلعن كلّ فريق الآخر على التفسيرين المذكورين {وَمَأْوَاكُمُ النار} أي الكفار.
وقيل: يدخل في ذلك الأوثان، أي هي منزلكم الذي تأوون إليه {وَمَا لَكُمْ مّن ناصرين} يخلصونكم منها بنصرتهم لكم.
{فَئَامَنَ لَهُ لُوطٌ} أي: آمن لإبراهيم لوط فصدّقه في جميع ما جاء به. وقيل: إنه لم يؤمن به إلاّ حين رأى النار لا تحرقه، وكان لوط ابن أخي إبراهيم {وَقَالَ إِنّي مُهَاجِرٌ إلى رَبّي} قال النخعي، وقتادة: الذي قال: {إني مهاجر إلى ربي} هو إبراهيم قال قتادة: هاجر من كوثى، وهي قرية من سواد الكوفة إلى حران، ثم إلى الشام، ومعه ابن أخيه لوط وامرأته سارّة. والمعنى: إني مهاجر عن دار قومي إلى حيث أعبد ربي {إِنَّهُ هُوَ العزيز الحكيم} أي الغالب الذي أفعاله جارية على مقتضى الحكمة: وقيل: إن القائل: {إني مهاجر إلى ربي} هو لوط، والأوّل أولى لرجوع الضمير في قوله: {وَوَهَبْنَا لَهُ إسحاق وَيَعْقُوبَ} إلى إبراهيم، وكذا في قوله: {وَجَعَلْنَا فِي ذُرّيَّتِهِ النبوة والكتاب}، وكذا في قوله: {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدنيا وَإِنَّهُ فِي الآخرة لَمِنَ الصالحين} فإن هذه الضمائر كلها لإبراهيم بلا خلاف، أي منّ الله عليه بالأولاد، فوهب له إسحاق ولداً له ويعقوب ولداً لولده إسحاق، وجعل في ذرّيته النبوّة والكتاب، فلم يبعث الله نبياً بعد إبراهيم إلاّ من صلبه، ووحد الكتاب لأن الألف واللام فيه للجنس الشامل للكتب، والمراد: التوراة والإنجيل والزبور والقرآن، ومعنى {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدنيا}: أنه أعطي في الدنيا الأولاد، وأخبره الله باستمرار النبوّة فيهم، وذلك مما تقرّ به عينه، ويزداد به سروره، وقيل: أجره في الدنيا أن أهل الملل كلها تدّعيه، وتقول هو منهم. وقيل: أعطاه في الدنيا عملاً صالحاً وعاقبة حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين، أي الكاملين في الصلاح المستحقين لتوفير الأجرة وكثرة العطاء من الربّ سبحانه.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن عباس قال: بعث الله نوحاً، وهو ابن أربعين سنة، ولبث في قومه ألف سنة إلاّ خمسين عاماً يدعوهم إلى الله، وعاش بعد الطوفان ستين سنة حتى كثر الناس وفشوا.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة قال: كان عمر نوح قبل أن يبعث إلى قومه وبعد ما بعث ألفاً وسبعمائة سنة.
وأخرج ابن جرير عن عوف بن أبي شدّاد قال: إن الله أرسل نوحاً إلى قومه وهو ابن خمسين وثلاثمائة سنة، فلبث فيهم ألف سنة إلاّ خمسين عاماً، ثم عاش بعد ذلك خمسين وثلاثمائة سنة.
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب ذمّ الدنيا عن أنس بن مالك قال: جاء ملك الموت إلى نوح فقال: يا أطول النبيين عمراً كيف وجدت الدنيا ولذتها؟ قال: كرجل دخل بيتاً له بابان، فقال في وسط البيت هنيهة، ثم خرج من الباب الآخر.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وجعلناها ءَايَةً للعالمين} قال: أبقاها الله آية فهي على الجوديّ.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً} قال: تقولون كذباً.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {النشأة الآخرة} قال: هي الحياة بعد الموت، وهو النشور.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً في قوله: {فَئَامَنَ لَهُ لُوطٌ} قال: صدّق لوط إبراهيم.
وأخرج أبو يعلى وابن مردويه عن أنس قال: أوّل من هاجر من المسلمين إلى الحبشة بأهله عثمان بن عفان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «صحبهما الله، إن عثمان لأوّل من هاجر إلى الله بأهله بعد لوط».
وأخرج ابن منده وابن عساكر عن أسماء بنت أبي بكر قالت: هاجر عثمان إلى الحبشة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنه أوّل من هاجر بعد إبراهيم ولوط».
وأخرج ابن عساكر والطبراني، والحاكم في الكنى عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما كان بين عثمان وبين رقية وبين لوط مهاجر».
وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال: أوّل من هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان كما هاجر لوط إلى إبراهيم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وَوَهَبْنَا لَهُ إسحاق وَيَعْقُوبَ} قال: هما ولدا إبراهيم، وفي قوله: {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدنيا} قال: إن الله وصى أهل الأديان بدينه فليس من أهل الأديان دين إلاّ وهم يقولون إبراهيم ويرضون به.
وأخرج هؤلاء عنه أيضاً في قوله: {وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدنيا} قال: الذكر الحسن.
وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال: الولد الصالح، والثناء، وقول ابن عباس: هما ولدا إبراهيم لعله يريد ولده وولد ولده، لأن ولد الولد بمنزلة الولد، ومثل هذا لا يخفى على مثل ابن عباس، فهو حبر الأمة، وهذه الرواية عنه هي من رواية العوفي، وفي الصحيحين: «إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم».


قوله: {وَلُوطاً} منصوب بالعطف على {نوحاً}، أو على إبراهيم، أو بتقدير: اذكر. قال الكسائي: المعنى: وأنجينا لوطاً، أو وأرسلنا لوطاً {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} ظرف للعامل في لوط {إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الفاحشة} قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر: {أئنكم} بالاستفهام. وقرأ الباقون بلا استفهام. والفاحشة: الخصلة المتناهية في القبح، وجملة: {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مّن العالمين} مقرّرة لكمال قبح هذه الخصلة، وأنهم منفردون بذلك لم يسبقهم إلى عملها أحد من الناس على اختلاف أجناسهم. ثم بيّن سبحانه هذه الفاحشة فقال: {أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال} أي تلوطون بهم {وَتَقْطَعُونَ السبيل} قيل: إنهم كانوا يفعلون الفاحشة بمن يمرّ بهم من المسافرين، فلما فعلوا ذلك ترك الناس المرور بهم، فقطعوا السبيل بهذا السبب. قال الفراء: كانوا يعترضون الناس في الطرق بعملهم الخبيث. وقيل: كانوا يقطعون الطريق على المارّة بقتلهم ونهبهم. والظاهر أنهم كانوا يفعلون ما يكون سبباً لقطع الطريق من غير تقييد بسبب خاص، وقيل: إن معنى قطع الطريق: قطع النسل بالعدول عن النساء إلى الرجال {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ المنكر} النادي والنديّ والمنتدى: مجلس القوم ومتحدّثهم.
واختلف في المنكر الذي كانوا يأتونه فيه: فقيل: كانوا يحذفون الناس بالحصباء، ويستخفون بالغريب. وقيل: كانوا يتضارطون في مجالسهم، وقيل: كانوا يأتون الرجال في مجالسهم وبعضهم يرى بعضاً، وقيل: كانوا يلعبون بالحمام. وقيل: كانوا يخضبون أصابعهم بالحناء. وقيل: كانوا يناقرون بين الديكة، ويناطحون بين الكباش. وقيل: يلعبون بالنرد والشطرنج ويلبسون المصبغات، ولا مانع من أنهم كانوا يفعلون جميع هذه المنكرات. قال الزجاج: وفي هذا إعلام أنه لا ينبغي أن يتعاشر الناس على المنكر وألا يجتمعوا على الهزؤ، والمناهي.
ولما أنكر لوط عليهم ما كانوا يفعلونه أجابوا بما حكى الله عنهم بقوله: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ ائتنا بِعَذَابِ الله إِن كُنتَ مِنَ الصادقين} أي فما أجابوا بشيء إلاّ بهذا القول رجوعاً منهم إلى التكذيب واللجاج والعناد، وقد تقدّم الكلام على هذه الآية، وقد تقدّم في سورة النمل: {فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُواْ ءَالَ لُوطٍ مّن قَرْيَتِكُمْ} [النمل: 56] وتقدّم في سورة الأعراف: {وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مّن قَرْيَتِكُمْ} [الأعراف: 82] وقد جمع بين هذه الثلاثة المواضع بأن لوطاً كان ثابتاً على الإرشاد، ومكرّرًا للنهي لهم والوعيد عليهم، فقالوا له أوّلاً: {ائتنا بعذاب الله} كما في هذه الآية، فلما كثر منه ذلك، ولم يسكت عنهم قالوا: {أخرجوهم} كما في الأعراف والنمل. وقيل: إنهم قالوا أوّلاً: {أخرجوهم من قريتكم} ثم قالوا ثانياً: {ائتنا بعذاب الله}.
ثم إن لوطاً لما يئس منهم طلب النصرة عليهم من الله سبحانه فقال: {رَبّ انصرني عَلَى القوم المفسدين} بإنزال عذابك عليهم، وإفسادهم هو بما سبق من إتيان الرجال وعمل المنكر في ناديهم، فاستجاب الله سبحانه وبعث لعذابهم ملائكته وأمرهم بتبشير إبراهيم قبل عذابهم، ولهذا قال: {وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا إبراهيم بالبشرى} أي بالبشارة بالولد وهو إسحاق، وبولد الولد وهو يعقوب {قَالُواْ إِنَّآ مُهْلِكُو أَهْلِ هذه القرية} أي قالوا لإبراهيم هذه المقالة.
والقرية هي قرية سدوم التي كان فيها قوم لوط، وجملة: {إِنَّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظالمين} تعليل للإهلاك، أي إهلاكنا لهم بهذا السبب {قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطاً} أي قال لهم إبراهيم: إن في هذه القرية التي أنتم مهلكوها لوطاً فكيف تهلكونها؟ {قَالُواْ نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا} من الأخيار والأشرار، ونحن أعلم من غيرنا بمكان لوط {لَنُنَجّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ} من العذاب. قرأ الأعمش وحمزة ويعقوب والكسائي {لننجينه} بالتخفيف، وقرأ الباقون بالتشديد {إِلاَّ امرأته كَانَتْ مِنَ الغابرين} أي الباقين في العذاب، وهو لفظ مشترك بين الماضي والباقي، وقد تقدّم تحقيقه، وقيل: المعنى: من الباقين في القرية التي سينزل بها العذاب، فتعذب من جملتهم، ولا تنجو فيمن نجا.
{وَلَمَّا أَن جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطاً سِيءَ بِهِمُ} أي لما جاءت الرسل لوطاً بعد مفارقتهم إبراهيم سيئ بهم أي جاءه ما ساءه، وخاف منه؛ لأنه ظنهم من البشر، فخاف عليهم من قومه لكونهم في أحسن صورة من الصور البشرية، و{أن} في {أن جاءت} زائدة للتأكيد {وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا} أي عجز عن تدبيرهم وحزن وضاق صدره، وضيق الذراع كناية عن العجز، كما يقال: في الكناية عن الفقر: ضاقت يده، وقد تقدّم تفسير هذا مستوفى في سورة هود. ولما شاهدت الملائكة ما حلّ به من الحزن والتضجر، قالوا: {لاَ تَخَفْ وَلاَ تَحْزَنْ} أي لا تخف علينا من قومك، ولا تحزن فإنهم لا يقدرون علينا {إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ} من العذاب الذي أمرنا الله بأن ننزله بهم {إِلاَّ امرأتك كَانَتْ مِنَ الغابرين} أخبروا لوطاً بما جاؤوا به من إهلاك قومه وتنجيته وأهله إلاّ امرأته كما أخبروا بذلك إبراهيم، قرأ حمزة والكسائي وشعبة ويعقوب والأعمش: {منجوك} بالتخفيف. وقرأ الباقون بالتشديد. قال المبرد: الكاف في {منجوك} مخفوض ولم يجز عطف الظاهر على المضمر المخفوض، فحمل الثاني على المعنى وصار التقدير: وننجي أهلك: {إِنَّا مُنزِلُونَ على أَهْلِ هذه القرية رِجْزاً مّنَ السماء} هذه الجملة مستأنفة لبيان هلاكهم المفهوم من تخصيص التنجية به وبأهله. والرجز: العذاب، أي: عذاباً من السماء، وهو: الرمي بالحجارة، وقيل: إحراقهم بنار نازلة من السماء. وقيل: هو الخسف والحصب كما في غير هذا الموضع، ومعنى كون الخسف من السماء أن الأمر به نزل من السماء.
قرأ ابن عامر: {منزّلون} بالتشديد. وبها قرأ ابن عباس. وقرأ الباقون بالتخفيف، والباء في {بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ} للسببية، أي لسبب فسقهم {وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا ءايَةً بَيّنَةً} أي أبقينا من القرية علامة ودلالة بينة وهي الآثار التي بها من الحجارة رجموا بها، وخراب الديار.
وقال مجاهد: هو الماء الأسود الباقي على وجه أرضهم، ولا مانع من حمل الآية على جميع ما ذكر، وخص من يعقل، لأنه الذي يفهم أن تلك الآثار عبرة يعتبر بها من يراها.
{وإلى مَدْيَنَ أخاهم شُعَيْباً} أي وأرسلناه إليهم، وقد تقدّم ذكره وذكر نسبه وذكر قومه في سورة الأعراف وسورة هود {قَالَ يَاقَوْم اعبدوا الله} أي أفردوه بالعبادة، وخصوه بها {وارجوا اليوم الآخر} أي توقعوه، وافعلوا اليوم من الأعمال ما يدفع عذابه عنكم. قال يونس النحوي: معناه: اخشوا الآخرة التي فيها الجزاء على الأعمال {وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأرض مُفْسِدِينَ} العُثْو، والعثْي أشدّ الفساد.
وقد تقدّم تفسيره {فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة} أي الزلزلة، وتقدّم في سورة هود: {وَأَخَذَ الذين ظَلَمُواْ الصيحة} [هود: 67] أي صيحة جبريل، وهي سبب الرجفة {فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جاثمين} أي أصبحوا في بلدهم أو منازلهم جاثمين على الركب ميتين.
{وَعَاداً وَثَمُودَاْ} قال الكسائي: قال بعضهم هو راجع إلى أوّل السورة، أي ولقد فتنا الذين من قبلهم وفتنا عادًا وثمود، قال: وأحبّ إليّ أن يكون على {فأخذتهم الرجفة} أي وأخذت عاداً وثمود.
وقال الزجاج: التقدير، وأهلكنا عادًا وثمود. وقيل: المعنى: واذكر عادًا وثمود إذ أرسلنا إليهم هوداً وصالحاً {وَقَد تَّبَيَّنَ لَكُم مّن مساكنهم} أي وقد ظهر لكم يا معاشر الكفار من مساكنهم بالحجر، والأحقاف آيات بينات تتعظون بها، وتتفكرون فيها، ففاعل تبين محذوف {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشيطان أعمالهم} التي يعملونها من الكفر، ومعاصي الله {فَصَدَّهُمْ} بهذا التزيين {عَنِ السبيل} أي الطريق الواضح الموصل إلى الحق {وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ} أي أهل بصائر يتمكنون بها من معرفة الحق بالاستدلال. قال الفراء: كانوا عقلاء ذوي بصائر فلم تنفعهم بصائرهم. وقيل: المعنى: كانوا مستبصرين في كفرهم وضلالتهم معجبين بها يحسبون أنهم على هدى، ويرون أن أمرهم حقّ، فوصفهم بالاستبصار على هذا باعتبار ما عند أنفسهم.
{وقارون وَفِرْعَوْنَ وهامان} قال الكسائي: إن شئت كان محمولاً على {عادًا} وكان فيه ما فيه، وإن شئت كان على {فصدّهم عن السبيل} أي وصدّ قارون وفرعون وهامان. وقيل: التقدير: وأهلكنا هؤلاء بعد أن جاءتهم الرسل {فاستكبروا فِي الأرض} عن عبادة الله {وَمَا كَانُواْ سابقين} أي فائتين، يقال: سبق طالبه: إذا فاته: وقيل: وما كانوا سابقين في الكفر، بل قد سبقهم إليه قرون كثيرة. {فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ} أي عاقبنا بكفره وتكذيبه. قال الكسائي: {فكلاًّ أخذنا} أي فأخذنا كلاًّ بذنبه {فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً} أي ريحاً تأتي بالحصباء، وهي الحصى الصغار فترجمهم بها، وهم قوم لوط {وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ الصيحة} وهم ثمود وأهل مدين {وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرض} وهو قارون وأصحابه {وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا} وهم قوم نوح وقوم فرعون {وَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ} بما فعل بهم، لأنه قد أرسل إليهم رسله وأنزل عليهم كتبه {ولكن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} باستمرارهم على الكفر وتكذيبهم للرسل وعملهم بمعاصي الله.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ المنكر} قال: مجلسكم.
وأخرج الفريابي وأحمد وعبد بن حميد، والترمذي وحسنه، وابن أبي الدنيا في كتاب الصمت، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب وابن عساكر عن أمّ هانئ بنت أبي طالب قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قول الله سبحانه: {وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ المنكر} قال: «كانوا يجلسون بالطريق فيحذفون أبناء السبيل ويسخرون منهم» قال الترمذي: بعد إخراجه، وتحسينه: ولا نعرفه إلاّ من حديث حاتم بن أبي صغيرة عن سماك.
وأخرج ابن مردويه عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحذف، وهو قول الله سبحانه: {وَتَأْتُونَ فِى نَادِيكُمُ المنكر}.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عمر في الآية قال: هو الحذف.
وأخرج عبد ابن حميد عن ابن عباس مثله.
وأخرج البخاري في تاريخه، وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن عائشة في الآية قالت: الضراط.
وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم في قوله: {فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة} قال: الصيحة، وفي قوله: {وَكَانُواْ مُسْتَبْصِرِينَ} قال: في الضلالة.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً} قال: قوم لوط {وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ الصيحة} قال: ثمود {وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرض} قال: قارون {وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا} قال: قوم نوح.

1 | 2